إحتفال تكريمي للعلامة الراحل الشاعر "الشيخ إبراهيم بن الشيخ يحيى المخزومي العاملي"
نظّمت جمعية الإمام الصادق (ع) لإحياء التراث العلمائي، بالتعاون مع إتحاد بلديات جبل عامل: إحتفالاً تكريمياً للعلامة الراحل الشاعر "الشيخ إبراهيم بن الشيخ يحيى المخزومي العاملي"، وذلك في قاعة شهداء بلدة الطيبة الجنوبية.
في البداية تحدث عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي وممّا جاء في كلمته أيها الحفل الكريم: نلتقي اليوم لتكريم عالم من علماء جبل عامل، هو العلامة الفقيه والشاعر والاديب الشيخ إبراهيم إبن الشيخ يحيى المخزومي العاملي. الذي قدم جده الأعلى من مكة المكرمة إلى جبل عامل وسكن بلدة (الطيبة). وبغض النظر عن النقاش المتصل بنسبه بالحاج فاضل القرشي المخزومي العاملي، فهناك شيء مؤكد: هو ان الشيخ إبراهيم أصله من مكة المكرمة وسكن آباؤه بلدة (الطيبة)، والشيء الآخر أنّ الشيخ إبراهيم هو من سلالة علماء كان لهم دورهم وحضورهم في المشاركة العلمية والإجتماعية على مدار عشرات السنين قبل النكبة التي حلّت بجبل عامل على يد العثمانيّين، وبعدها عندما تبدّلت السياسة العثمانية نتيجة عدم إنصياع أهالي جبل عامل لهم، فكانت المشاركة العلمية والسياسية والإجتماعية مجدداً عبر ذريته، الذين عُرفوا بآل صادق نسبة إلى إسم نجله الشيخ صادق. جبل عامل لم يكن منطقة نائية عن محيطه العربي والإسلامي، بل كان نقطة تفاعل وتأثير، ولهذا تحول إلى مركز أساسي من مراكز العلم والجهاد والأدب والمعرفة، فكان يقصده العلماء والطلاب من داخل البقع اللبنانية ومن خارج حدود الوطن ككل، ولهذا نرى في أواسط القرن التاسع هـ يأتي إلى (عيناثا) الشيخ ناصر البويهي ويصبح من كبار الفضلاء، أو السادة آل فضل الله في القرن الحادي عشرهـ، حيث قدموا من مكة المكرمة إلى (عيناثا)، أو السيد أحمد الحسيني جد السادة آل الأمين الذي قدم من مدينة (الحلة) إلى قرية (مجدل سلم)، أو الشيخ إبراهيم البلاغي الذي ينتسب إلى عائلة علمية وأدبية في النجف الأشرف منذ القرن العاشر هـ، وجاء إلى جبل عامل بعد نهاية حكم الجزّار مباشرة، وكان زميلاً للعلامة الشيخ حسن القبيسي والسيد علي الامين حيث درسوا على شيخ الطائفة الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء، وكان له دور في جبل عامل وله ذرية فيه. أو الشيخ حبيب الكاظمي البغدادي، كل هؤلاء العلماء أو طلاب العلوم الذين قدموا إلى جبل عامل كان لهم حضورهم ودورهم العلمي والأدبي والسياسي والإجتماعي. جبل عامل في عهد الشيخ إبراهيم بن الشيخ يحيى مرّ بمرحلتين: الأولى: مرحلة الإستقرار السياسي والأمني والحضور العلمي والنمو الإقتصادي، وهذا يعود إلى التناغم والتفاهم بين الأمراء والعلماء على قاعدة الحديث الشريف: "صنفان من أمّتي إن صلُحا صلحت الأمّة". تلك المرحلة كان الأمير ناصيف النصّار والزعيم الديني السيد أبو الحسن موسى الحسيني في (شقراء)، وليس معنى ذلك انه لم يكن هناك أمراء في جبل عامل غير الأمير ناصيف، أو لم يكُن هناك علماء غير السيد أبو الحسن موسى، فالسيد صالح وأخيه السيد شريف كانا في بلدة (شحور) وآل خاتون كانوا في (جويا) وآل مغنية في (طيردبّا)، وعلماء آخرين، لكن مدرسة السيد أبو الحسن في شقراء التي ضمّت اكثر من 300 طالب كان رئيسها هو المتصدّي الاول للزعامة الدينية، وهذا التفاهم فيما بينه وبين الامير ناصيف أو بين العلماء والأمراء، أنتج حضوراً للمجتمع العاملي إلى جنب العلماء والزعماء، ممّا جعل جبل عامل يعيش شبه الإستقلال عن الحضور العثماني المباشر في المنطقة، فازدهر اقتصادياً وانتشر فيه العلم والأدب والشعر. المرحلة الثانية: عندما قرّر العثمانيون الإعتداء على جبل عامل واحتلاله مباشرة، وكان كل ظنّهم ان الشعب العاملي يُمكن أن يحكم بالسيف والنار وانه سيخضع لهم، وإذا بهم وبعد ما يزيد على ربع قرن يكتشف العثمانيون، أن ما يمكن أخذه من جبل عامل بالتفاهم والإحترام هو أفضل بكثير ممّا سيحصلون عليه بالقوة، ولهذا عمد الوالي العثماني (سليمان باشا) بعد هلاك الجزّار سنة 1219هـ، إلى التفاهم مع العلماء والأمراء وساهم في إعادة الحياة العلمية التي بدأت من (كوثرية السياد) على يد الشيخ حسن القبيسي. ومع الأسف لم يأخذ الفرنسي ومن بعدهم الإسرئيلي عبرة مما حدث مع العثماني، وكانت النتيجة واحدة هي هزيمة هؤلاء أمام إرادة المجتمع العاملي. واليوم نرى الأمريكي لا زال يُصر على سياسة تجاهل القوى الأساسية والفاعلة في الشرق الاوسط، فمن جهة هو يرعى ويدعم (داعش) والنصرة الإرهابيّين، ثم يأتي مجدداً ليجمع كل قوى الشر لمواجهة هذا الوحش الذي صنعوه، لذلك كان كلام سماحة الأمين العام لحزب الله واضحاً: أنّنا لن نتفرّج عليكم ونحن سبقناكم إلى محاربة الإرهاب، ولن ننتظر نتائج أفعالكم فلنا طريقتنا وأجندتنا، والتجربة تقول ان الأمريكي يخسر أينما حلّ. وبالعودة إلى الشيخ إبراهيم إبن يحيى الذي هرب من ظلم الوالي العثماني أحمد باشا الجزّار إلى (بعلبك ودمشق) لم يتسنّى له العودة إلى جبل عامل، فاستمر في تحصيله العلمي في النجف الأشرف وفي أصفهان من إيران، حتى أصبح فقيهاً وأديباً وشاعراً وترك لنا عدة مصنفّات، هذا ناهيك عن خمسين ألف بيت من الشعر في مختلف القصائد الهادفة ولم يُعطى فسحة من العمر ليعود إلى وطنه ليشاهد العِزَّة من جديد، وليشارك مع إخوانه العلماء في بناء جبل عامل العلمي والادبي مجدداً. كانت المشيئة الإلهية أن يرحل عن هذه الدنيا قبل خمس سنوات من هلاك الجزّار. توفي في دمشق سنة 1214هـ ودفن في مقبرة (باب الصغير). حضر الإحتفال علماء دين وعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب د- علي فياض، وإمام بلدة الطيبة سماحة الشيخ حسين قازان،ورئيس إتحاد بلديات جبل عامل الحاج علي الزين، ونائبه الحاج عباس ذياب، ومدير العمل البلدي في حزب الله المنطقة الأولى الشيخ فؤاد حنجول، وفعّاليات بلدية وإجتماعية. بدوره إمام بلدة الطيبة الشيخ حسين قازان ألقى كلمة لفت فيها إلى أنّ العلامة الشيخ إبراهيم بن الشيخ يحيى المخزومي العاملي كان فقيهاً وأديباً وشاعراً، وكان يلجأ للشعر للتنفيس عما يختلج في صدره من العناء والقهر والحرمان ولنشر بعض الأفكار. وأضاف: إن علماءنا وبالتحديد علماء جبل عامل أجهدوا أنفسهم وحافظوا على مذهبهم وما فتئوا إلى يومنا وإلى أن تنتهي الدنيا، مشيراً إلى أنه في كل قرن نجد عالماً كبيراً من علمائنا يحيون أمر الإسلام والدين وأمر مذهب أهل البيت (ع) كما كان فعل السيد المقدس الإمام الخميني (قده) الذي جاء بأفكار وبعقلية وبتربية جديدة. ومن ثم ألقى نائب رئيس إتحاد بلديات جبل عامل الحاج عباس ذياب كلمة قال فيها إنّنا عندما نذكر جبل عامل نذكر أرباب العلم والثقافة والشعر والأدب، وإنه بحق جبل العلم والعلماء الذين دخلوا على فضاء المعرفة من بوابة هذا الجبل الزاخر بالقيم والأدب، مشيراً إلى أنه قد هاجر قسم كبير من هؤلاء إلى حواضر العلم، فدخلوا ميدان النجف الأشرف التي كانت عاصمة العلم والمدينة الأبرز على صعيد الحوزة الشيعية، فساهم هؤلاء العلماء في نهضة هذه الحوزة عبر مختلف الأدوار، وأغنت الحركة العلمية فيها وأثرت معارفها وأدبياتها ومكتباتها. نشكر علماؤنا الافاضل الأجلاء، وراعي إحتفالنا عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي، كما نشكر سماحة إمام بلدتنا الشيخ حسين قازان، وسعادة النائب الدكتور علي فياض، والحضور الكريم. وفي الختام كانت كلمة النائب د- علي فياضوممّا جاء فيها: إلى أن علماءنا هم من صنعوا نهضة جبل عامل على الدوام، وفي كل فترة كان يتآزر فيه العلم والجهاد في تاريخ جبل عامل كان هذا الجبل يضيء ويشع ويتألق، وعلى الرغم من صغر مساحة هذا الجبل فإنه قد أنتج على مستوى العلم في التاريخ وعلى مستوى التضحية في الراهن، فعندما استحضر تجربة المقاومة وانتصاراتها ودحر العدو الصهيوني والتحرير في العام 2000 ومن ثم الإنتصارات المتتالية على العدو الإسرائيلي وصولاً إلى تموز عام 2006 إنما يظهر بوضوح كيف نختزل عصارة التاريخ كي نقدم دورنا العلمي والجهادي. وفي الشأن السياسي أكد فياض أنّ المجموعات التكفيرية تسعى في كل لحظة إلى نقل المشكلة إلى الداخل اللبناني، فالأمر لا يقتصر فقط لوجودهم على حدودنا اللبنانية السورية ولا على بلدة عرسال، إنما هناك من يسعى إلى نقل المشكلة إلى الداخل، وهناك محاولات حثيثة لتشييد بنية تحتية تستند إليها المجموعات التكفيرية لاستهداف هذا الوطن في أمنه واستقراره ووحدته. وشدد فياض على ضرورة أن يتقارب جميع اللبنانيين من بعضهم البعض، وأن يدركوا أن الإستهداف سيطال الجميع دون استثناء، فليس هناك من استثناء لا لمكوّن طائفي ولا لمكوّن سياسي في هذا البلد، مؤكداً أننا مستعدون للحوار والإنفتاح مع كل القوى السياسية اللبنانية بما فيها وعلى الأخص تلك القوى التي نختلف معها سياسياً، ونحن على استعداد لأن نتحاور ونتفاهم وأن نبني مواقف مشتركة ونتآزر جميعاً في مواجهة هذه الظاهرة لحماية الوطن وللتآلف والإلتفاف حول الجيش اللبناني الذي يخوض في كل لحظة معركة الدفاع عن استقرار وأمن هذا الوطن. ورأى فياض أن الجيش اللبناني بحاجة إلى غطاء سياسي كامل غير منقوص لا فجوات ولا التباس فيه لكي يقوم بدوره كاملاً، وكذلك يحتاج إلى أن نمدّه بكل مقومات الدعم والتعزيز بالإمكانات والقدرات لكي يكون قادراً على أن يؤدي دوره كاملاً. وحذّر فياض من حالة التراخي والتهاون، فكل لحظة تمر دون أن نحسم فيها الموقف من الجماعات التكفيرية على حدودنا أو في الداخل أو دون أن نضع حداً لأولئك الذين يوفرون الغطاء لهؤلاء ويعملون بالخفاء على مساعدتهم ومؤازرتهم إنما تزداد المخاطر على هذا الموطن، مطالباً الجميع بحسم قراراتهم وأخذ المواقف الواضحة والخطوات الجريئة التي تضع حداً لكل هذا المسار الذي يتهدد أمن واستقرار ووحدة اللبنانيين جميعاً.
القسم : الإتحاد في الصحافة - الزيارات : 5320 - التاريخ : 12/11/2014 - الكاتب : نشرة التراث عدد 34