في كل مرة يذكر فيها أسم بلدة حولا، تقفز إلى الذاكرة "مجزرة حولا" التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في 31 تشرين الأول من عام 1948، وذهب ضحيتها أكثر من ثمانين مواطناً من أبناء البلدة، شيباً وشباباً.
حولا البلدة المقاومة والمناضلة التي قدمت اكثر من 120 شهيداً ونحو 400 أسيراً وأسيرة، تشتهر بتنوع أحزابها، التي تختلف في مبادئها لكنها تتفق على المبدأ الاساس والرئيس ألا وهو محاربة إسرائيل . عُرفت تاريخياً بنفسها الشيوعي (تأسّسست منظمة للحزب الشيوعي فيها عام 1945 على يد الشيخ محمد مزرعاني والد القيادي الحالي في الحزب سعد الله مزرعاني)، لكنّها تعيش اليوم نسيجاً من الاحزاب يتجلى بالحضور الفاعل لحزب الله وحركة أمل وللحزب الشيوعي، إضافة إلى تواجد للحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الأسعدي.
حولا البلدة الملاصقة للحدود، ارتبط اسمها كذلك بموقع العبّاد، الذي يقع على تل شرقي البلدة، ويتميّز بموقعه الجغرافي الاستراتيجي، فهو يرتفع نحو 850 متراً عن سطح البحر، ويطل على ثلاث دول، اضافة إلى لبنان، وهي: فلسطين المحتلة (إصبع الجليل) وسوريا (الجولان) وشمالي الأردن. ويرجّح أن تسميته تعود إلى أشخاص متعبدّين سكنوا فيه منذ زمن بعيد؛ وفيه حاليا قبر لأحد هؤلاء العبّاد او الزهّاد. وعند ترسيم الخط الازرق عام 2000 كانت المفارقة أن هذا الخط جاء في وسط القبر ليقسمه قسمين، أحدهما في الجانب اللبناني وآخر في الجانب الاسرائيلي، وبقي لسنوات يشهد مناوشات بين الطرفين، بعد أن تحوّل مقصداً للزوّار الذين "يحجّون" اليه كما "بوابة فاطمة"، فعملت قوات "اليونيفيل" على إقامة نقطة ثابتة قربه مانعة وصول أي مدني اليه، فتحوّل الموقع إلى ثكنة عسكرية اسرائيلية أُقيمت حولها التحصينات والرادارات التي تكشف المنطقة.
تسمية حولا تشير المراجع فيها، إلى أنّها سريانية ولها معنيان: المغارة (أو الكهف) أو المكان غير المقدّس؛ وقد يكون الاسم تصحيف أي تعديلHayla أي القوة والمنعة والسطوة، وهذا ما تفسّره طبيعة البلدة الجبلية التي تعكس طبيعة سكانها الذين كانوا يتحلّون بالقوّة لتأمين المياه ومتطلّبات الحياة لأن البلدة خالية من أي وجود لينابيع مياه.
ونقلاً عن الأجداد، أن بلدة حولا كانت أصلاً تقع على تلّة "الطيري" (جنوبي البلدة) الا أنّ مهاجمة النمل لمحاصيل أبنائها الزراعية، دفعهم إلى الانتقال والسكن حيث موقع البلدة الحالي. ويشير الأهالي إلى أن آثار البلدة القديمة لا تزال واضحة كالمسجد والآبار والجبّانة، اضافة إلى الحجارة المربّعة الكبيرة التي كانوا يستخدمونها في بناء منازلهم، ونقلوها لاحقا بواسطة الجمال والحمير لبناء منازلهم الجديدة.
تبلغ مساحة حولا حوالي 16 الف دونم، ويبلغ معدّل ارتفاعها عن سطح البحر 850 متراً، أما أعلى نقطة فيها فهي تلّة العبّاد. تبعد عن العاصمة بيروت 115 كيلومتراً، وعن مركز القضاء مرجعيون 20 كيلومتراً، وعن مركز المحافظ النبطية 35 كيلومتراً ، ويبلغ عدد سكانها نحو 12500 نسمة.
تحدّها من الشمال مركبا وطلّوسة، ومن الشرق بلدة هونين المحتلة والارضي الفلسطينية المحتلة، ومن الغرب مجدل سلم وشقرا، ومن الجنوب ميس الجبل.
قلعة دوبيه
تشتهر حولا بطبيعتها الخضراء وبيئتها التي حافظ عليها أهلها. كما تشتهر بكروم العنب والتين التي بدأت تنقرض أخيراً. إن عدداً من منازلها لا يزال من الطين يغلب عليه الطابع القروي. وفي البلدة مجموعة من الآثار القيّمة أبرزها قلعة "دوبيه" الصليبية التي تقع عند الطرف الغربي للبلدة، تمّ بناؤها أصلا على أنقاض معبد روماني قديم بدليل وجود مدافن رومانية في محيطها، وتشير دراسات إلى أن تسميتها تعود لبانيها، وهو أحد القادة الصليبيين، فرانسوا دو بيون من هنا جاءت "دوبيه" بعد التحريف. والجدير ذكره أن قلعتي الشقيف (إرنون) وتبنين اللتين بُنيتا في الحقبة نفسها، ترتبطان بقلعة دوبيه على شكل مثّلث جغرافي (رغم بعد المسافة بينها)، ويُقال أن أي قلعة كانت تتعرّض لاعتداء أو غزو، تشعل ناراً يستطيع مشاهدتها حرّاس القلعتين الأخريين، فيسرعون لإنقاذها. حال القلعة اليوم يشبه حال كل القلاع الصليبية، فالحروب والاعتداءات الاسرائيلية هدّمت جزءاً كبيراً منها لاسيما الطابق الثالث. تتألف القلعة من ثلاثين غرفة وبداخلها بئر مياه تُعرف بالمشنقة، وفي خارجها خزان كبير محفور في الصخر. ومن آثار البلدة أيضا مغاور قديمة منحوتة في الصخر على شكل مساكن ومدافن، اضافة إلى مغاور قديمة للعنب والزيتون والبطم.
وفيها مسجد قديم يعود إلى سنة 1000ه (أي 1580م)، بناه منصور بن عبد الإمام إبن الشيخ شمس الدين القادم من بلدة جرجوع في اقليم التفاح، وقد بناه في موقع المسجد الحالي، وقد أرّخ ذلك على نقش صخري وضع على المسجد في وقتها و كان صغيراً مبنياً من الحجارة و الطين كما حال العمارة في ذلك الوقت.
تشتهر بلدة حولا الجنوبية بنسبة المتعلمين فيها، وذلك بفضل المنح الدراسية التي كان يقدّمها الحزب الشيوعي اللبناني لمحبّي العلم في عدد من الدول الاشتراكية، وفيها اليوم نحو مائة طبيب ومائة مهندس، اضاف إلى المئات من حملة الإجازات في مختلف الحقول العلمية. وتتميّز البلدة ايضاً بروح التعاون بين أبنائها من أجل المصلحة العامة، ومثال على ذلك أنّهم قاموا تطوّعاً بشق طريق بين حولا وشقرا عام 1977، كما بنوا المدرسة الرسمية.
من أبرز المراكز الاجتماعية والصحية في البلدة مستوصف النجدة الشعبية اللبنانية، والمركز الثقافي الاجتماعي، تبرّع به الحاج محمد جميل شريم إلى أهالي بلدته وتمّ تدشينه في 17 تمّوز 2004 بحضور وزير الثقافة في حينه غازي العريضي، وجميعة "أصدقاء الشجرة والبيئة" التي تأسّست عام 1981 وهي من أوائل الجمعيات البيئية في لبنان، فضلاً عن معصرتي زيتون.
يقوم اقتصاد البلدة على زراعة التبغ والزيتون والحبوب والتجارة؛ وعلى قطاع البناء، اضافة إلى وجود عدد من الموظّفين في القطاعات العام،/ فضلا عن المال الاغترابي، وإن بشكل محدود، من أبناء البلدة المهاجرين في المانيا والخليج العربي.
مجزرة حولا
لا يمكن الحديث عن بلدة حولا دون التوقّف عند المجزرة التي ارتكبها الصهاينة في 31 تشرين الأول عام 1948 بحق أهالي البلدة وراح ضحيتها أكثر من ثمانين منهم. في الواقع كان الاهالي ينامون في الكروم خارج البلدة ( الكساير، الساقية، السلم وغيرها) منذ أيار العام 1948 أي بعد اعلان قيام دولة اسرائيل ومهاجمتها لحولا وغيرها من القرى، حين لاحظوا تقدّم جيش عسكري بلباس عربي نحوهم من جهة مركبا. انقسم الجيش الغازي إلى قسمين، أحدهما اتجه نحو الكساير والحارة الشمالية والآخر نحو "بركة الحجر"... إنطلت الخدعة على اهالي البلدة فاعتقدوا انه جيش عربي جاء لحمايتهم فسارعوا لملاقاته، ولكن سرعان ما اتّضحت الحقيقة الرهيبة وهي أنهم وقعوا في مكمن صهيوني محكم، اذ بدأ اليهود باعتقال كل من صادفوه من نساء ورجال وأطفال وشيوخ، مفتّشين المنازل بحثا عن مختبئين، فوقع بين أيديهم أكثر من 200 من أبناء البلدة.
وقام الصهاينة بفصل الأهالي بين شباب و كبار في السن وأطلقوا النار عليهم ونسفوا المنازل الثلاثة التي كانوا يحتجزونهم فيها، اما النساء والاطفال فقد تركوهم وطلبوا منهم مغادرة البلدة بعد تدخل الامم المتحدة.
ان تاريخ حولا النضالي لم يبدأ في العام 1948 فقط، وإنما يعود إلى عهد الاستعمار الفرنسي حيث تجند أبناء حولا مع "العصابات" المقاومة التي ترأسها ادهم خنجر وصادق حمزة، واشتهر من أبناء البلدة نمر القاعور وشخص آخر من آل أبو زكلي. واستمر هذا التاريخ البطولي من خلال اشتراك أبناء البلدة في القتال إلى جانب جيش الانقاذ في المالكية حيث سقط أول شهيد هو "علي احمد شريم" وكرّت بعده سبحة الشهداء عام 1948 وعام 1958 من خلال مشاركتهم في الثورة، اضافة إلى المشاركة في الحرس الشعبي الذي تأسس على يد الشيوعيين عام 1969 وصولا إلى الاجتياح الاسرائيلي عام 1978 واجتياح 1982، وكان لبلدة حولا دور كبير في عمل جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وقد قدّمت الشهداء والمعتقلين ( ما يفوق 400 معتقل. وهي بذلك الاولى في عدد المعتقلين)، ومازال حتى تاريخ اصدار هذا الكتاب جثمان شهيدها الشيوعي فرج الله فوعاني محتجزاً لدى العدو الاسرائيلي، واكملت المسيرة في المقاومة الاسلامية وفي كل المحطات النضالية وصولا إلى عدوان تموز 2006 حين سقط عدة شهداء من خيرة شبابها وابنائها.
البلدية
انتُخب أول مجلس بلدي في حولا عام 1962، بعد معركة حامية تدخلت فيها السلطة لصالح الفريق الأسعدي، إلا أن الشيوعيين فازوا بها في النهاية، فكانت اول بلدية في العالم العربي التي يفوز بها الحزب الشيوعي (هكذا أذاعت الخبر حينها الإذاعة البريطانية)، وتولّى رئاستها عوض أيوب حتى العام 1973، وبعد حلّ المجلس البلدي حينها تسلّمها قائمقام مرجعيون حتى العام 2001، حين تمّ انتخاب الاعلامي رفيق نصر الله رئيساً لها حتى العام 2004. واتّفق الأهالي في ذلك العام على تأليف مجلس بلدي بالتزكية يشمل كل القوى والأحزاب السياسية، على أن يتولّى رئاسة أوّل ثلاث سنوات منها محمد حبيب قاسم (عن حزب الله)، والسنوات الثلاث المتبقية، فيصل أحمد حجازي (عن الحزب الشيوعي).
في 23 أيار 2010 تنافست لائحة حزب الله وحركة أمل من جهة مع لائحة الحزب الشيوعي، ففازت الأولى بـ14 عضواً من أصل 15 عضواً، وخرق مرشح شيوعي واحد، وفاز عُدي مصطفى برئاسة البلدية (عن حزب الله) نتيجة اتفاق مع حركة أمل على أن يستلم بعد ثلاث سنوات شكيب قطيش الرئاسة (عن حركة أمل).
القسم : بلدية حولا - الزيارات : 13820 - التاريخ : 28/8/2011 - الكاتب :