الكتابة عن بلدة الطّيبة ليست بالأمر السهل، فتاريخها يحضر بقوّة في أي حديث عن واقعها الاجتماعي أو الاقتصادي أو حتى السياسي، لأنّها كانت حجر الرحى في السياسة الجنوبية لعقود عدّة، وأُطلق عليها تسمية "كعبة جبل عامل" و"كعبة السياسة" في لبنان، فقد كان لها دور أساسي في اتّخاذ القرارات السياسية من خلال رجالاتها، كما كانت منبعاً لعدد كبير من العلماء والمثقّفين.... ورغم خسارتها المركز السياسي الذي كانت تنعم به سابقاً، فإنّها لا تزال تُعدّ من البلدات التي تملك إرثاً تاريخياً مهمّاً، ومحطّ أنظار السياسة الجنوبية الحالية، بدليل اختيار أحد نوّاب المنطقة من أبنائها في الاستحقاقين النيابيين اللذين شهدتهما المنطقة بعد التحرير.
إنّها الطّيبة الواقعة على تلّتين متقابلتين، يحدّها من الشمال بلدة دير ميماس ووادي نهر الليطاني ومجراه وخلفه بلدة يحمر في قضاء النبطية، ومن الشرق عديسة وكفركلا، ومن الجنوب عديسة وربّ ثلاثين وبني حيّان وطلوسة، ومن الغرب دير سريان وعدشيت والقنطرة.
يرجّح أن اسم الطّيبة تحريف من السريانية والآرامية، ويعني الجّود والحسن والنعمة، أو "الأرض المهيّأة والمعدّة للزرع"، وهذا دليل على أن أرضها الشاسعة (نحو 20 ألف دونم)، هي أرض طيبة للزراعة، وقد كانت في ما مضى، تعود بمعظمها إلى آل الاسعد، الا أنّها اليوم تعود تدريجياً إلى أهالي البلدة.
تتمتّع الطّيبة بموقع جغرافي مميّز يشرف على كلّ المنطقة، حتى أن البحر يمكن مشاهدته منها.
ترتفع عن سطح البحر 730 متراً، وتبعد عن مركز القضاء 10 كيلومترات، وعن المحافظة 30 كيلومتراً، وعن بيروت حوالي 100 كيلومتر، في حين يبلغ عدد سكانها 12335 نسمة موزّعين بين البلدة وبيروت وبلاد الاغتراب، في الخليج وافريقيا حيث يعملون في مجال المقاولات والتجارة وتبلغ نسبة المغتربين نحو ثلاثين بالمئة. يقدر عدد المقيمين في البلدة بشكل دائم بنحو ستة آلاف نسمة شتاءً، يرتفع إلى العشرة آلاف صيفاً. وقد شهدت البلدة نموّاً عمرانياً لافتاً خلال السنوات العشر الأخيرة، أي بعد التحرير، اذ ارتفع عدد المنازل فيها من 600 قبل العام 2000 إلى 1300.
خلافا لباقي قرى جبل عامل، فإنّ اقتصاد الطّيبة لم يعد يعتمد على زراعة التبغ التي أضحت شبه منقرضة، انما بقيت زراعة الزيتون وتقدّر بنحو 40 ألف شجرة. وهناك حركة اقتصادية تتكل على التجارة والوظائف الأخرى، سواء الحكومية او الخاصة.
الطّيبة هي ابنة الحضارات ومعقل الآثار الشاهدة على تاريخ تعِبَ ولم يُتعبها، فالبلدة القديمة لا تزال تشهد على تاريخ الطيبة من خلال المغاور والمقابر والسراديب والعيون والمنازل العتيقة، اضافة إلى المعبد الكبير الموجود تحتها والذي تصل سراديبه إلى العين الفوقا، المبنية من حجر صلد، وفي أسفلها باب يربطها بالعين القديمة عبر عدّة نجوم أرضية يبلغ عمق الواحدة منها عشرين متراً لتنتشر في سرداب تجري فيه المياه خلال الشتاء قرب العين التحتا التي يشرب منها الأهالي.
من البلدة أسماء عديدة لمعت في السياسة والعلم والدين والفن على مرّ التاريخ، ولعلّ الأبرز هي عائلة الأسعد التي بدأت مع خليل الأسعد مروراً بولديه كامل (كان عضو مجلس المندوبين في الحكومة العثمانية) ثمّ عبد اللطيف ومنه إلى أحمد الذي عرفت الزعامة عزّا خلال عهده، إذ كان رئيساً للمجلس النيابي اللبناني لسنوات عديدة، وصولا إلى ابنه كامل الذي ترأّس مجلس النواب مدّة 18 عاما (غير متتالية) وتوفّي في 24 تموز 2010.
ومن البلدة أيضا النائب السابق نزيه منصور (1996 – 2000؛ و2000- 2005) والنائب الدكتور علي فيّاض (انتخب في سنة 2009).
في الطّيبة واقع اجتماعي لافت، يضفي عليه رونقاً، حبّ أبنائها لها وتآلفهم مع بعضهم، وتجنّدهم لخدمة بلدتهم في شتّى المجالات، بدءاً من تأهيل مداخلها لجهة عديسة ودير سريان، ووضع لوحة حجرية للترحيب بالزوار وزرع الاشجار والورود على جانبي الطريق التي تمّ توسيعها؛ إلى إنشاء مكتبة عامة وسط البلدة، أُعيد ترميمها عام 2003، لتكون مركزاً ثقافياً يفتح أبوابه لخدمة محبّي العلم والثقافة من أبناء البلدة والقرى المجاورة، فيها أهم الكتب والمراجع المختلفة والمتنوّعة.
وبهدف نشر الثقافة بشكل أفضل وأوسع، يتم إنشاء مركز ثقافي جديد في البلدة بتمويل من المملكة العربية السعودية وتنفيذ مجلس الإنماء والإعمار. وفي الطّيبة ثلاث مدارس (ثانوية وتكميلية وأخرى خاصة)، تستوعب تلامذة البلدة والقرى المجاورة. وفي البلدة أيضا دار لرعاية المسنّين ومركز للدفاع المدني، وحديقة عامة وسط البلدة تمّ تأهيلها لتكون ملتقى لأبناء البلدة.
أما على الصعيد البيئي فبلدة الطّيبة كانت سبّاقة في إيلاء هذا الموضوع أهمية كبيرة، فوقّعت البلدية اتّفاقا مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP لإنشاء معمل لفرز النفايات، مموّل من الحكومة الايطالية، تمّ تدشينه رسمياً في أيلول سنة 2010، وقام وفد من البلدية برئاسة رئيسها عباس ذياب بزيارة ايطاليا للتمرّن على كيفية تشغيله، وتستفيد منه قرى اتّحاد بلديات جبل عامل الذي اختار أعضاؤه (عن11 بلدة) إنشاء مركزه في بلدة الطّيبة وعند مدخلها الجنوبي لجهة عديسة، ووضعوا حجر الأساس له في 25 نيسان 2010.
لا يمكن الحديث عن بلدة الطّيبة من دون المرور بمشروع مياه جبل عامل او "مشروع الطّيبة"، كما يعرف، والذي أُنشئ عام 1952 من قبل مصلحة مياه جبل عامل التي تحوّلت اليوم إلى "مؤسّسة مياه لبنان الجنوبي". يستفيد من المشروع 23 بلدة جنوبية، ويضخّ حوالي سبعة آلاف متر مكعّب مياه خلال 24 ساعة مصدرها مجرى نبع الوزاني ونهر الليطاني. وقام مجلس الإنماء والإعمار بالتعاون مع البنك الاسلامي بتطويره من خلال انشاءات جديدة على ضفّة الليطاني وتركيب مضخّات حديثة وإنشاء شبكة أنابيب جديدة، سيكون جاهزاً لري عشرات القرى في قضائي مرجعيون وبنت جبيل.
البلدية
تأسّس المجلس البلدي في الطّيبة عام 1964، وترأّسه حسن محمود الأسعد وكان يتألّف من سبعة أعضاء، أما المجلس الثاني فقد تمّ انتخابه عام 2001 برئاسة محمد عبدالله صولي حتى العام 2004، حين تمّ انتخاب المهندس حسن علي قازان رئيساً استمر حتى العام 2007، وجاء بعده عباس ذياب (مواليد 1960) وترأس البلدية حتى العام 2010، ثم أُعيد انتخابه مجدّداً بواقع الاستحقاق الانتخابي الذي شهد تنافساً بين لائحة مكتملة من 18 عضواً مدعومة من تحالف حزب الله – حركة أمل من جهة، ولائحة غير مكتملة من ثمانية أعضاء مدعومة من اليساريين، إلى عضو مستقل، وفي النتيجة فازت اللائحة الاولى بـ15 عضواً، وخرقت الثانية بعضوين وفاز المرشّح المنفرد كذلك.
القسم : بلدية الطيبة - الزيارات : 8694 - التاريخ : 28/8/2011 - الكاتب :
محمد